كانت الخطوة الأولى في رحلة العذاب التي بدأها القس السابق إسحاق ليبلغ واحة الإيمان، رحلة كلفته ألوانًا من الإضطهاد لا يحتملها إنسان، وكرسي الإعتراف تقيمه الكنائس في أثناء قداس الأحد أسبوعيًّا، حيث يجلس القس ليستمع إلى إعترافات المسيحيين العاديين بخطاياهم.
يتذكر إسحاق هذه اللحظة قائلاً: جاءتني إمرأة تعضّ أصابع الندم قالت: إنها إنحرفت ثلاث مرات، وأنا أمام قداستك الآن أعترف لك رجاء أن تغفر لي، وأعاهدك ألاّ أعود لذلك أبدًا.
ومن العادة المتبعة أن يقوم الكاهن برفع الصليب في وجه المعترِف، ويغفر له خطاياه.
وما كدتُ أرفع الصليب حتى عجز لساني عن النطق، فبكيت بكاءً مرًّا وقلتُ: هذه جاءت لتنال غفران خطاياها مني، فمن يغفر لي خطاياي؟!! وإذا بذهني يتوقف بالعبارة القرآنية الجميلة: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص:1]، هنا أدركت أن فوق العالي عاليًا أكبر من كل كبير، إلهًا واحدًا لا معبود سواه..
ذهبت على الفور للقاء الأسقف، وقلت له: أنا أغفر الخطأ لعامَّة الناس، فمن يغفر لي خطئي؟ فأجاب دون اكتراث: البابا. وسألته فمن يغفر للبابا؟ وهنا إنتفض جسمه ووقف صارخًا وقال: إن قداسة البابا معصوم، فكيف تتطاول بمثل هذا السؤال؟!
بعد ذلك صدر قرار البابا بحبسي في الدير.
أخذوني معصوب العينيين، وهناك إستقبلني الرهبان إستقبالاً عجيبًا، كل منهم يحمل عصا يضربني بها وهو يقول: هذا ما يُصنع ببائع دينه وكنيسته، وهكذا حتى أمر بجميع الرهبان، حيث إستعملوا معي كل أساليب التعذيب التي ما زالت آثارها موجودة على جسدي، وأمروني بأن أرعى الخنازير، وبعد ثلاثة أشهر حوّلوني إلى كبير الرهبان لتأديبي دينيًّا.
وعندما ذهبت إليه فُوجئت به يقول: يا بُنَيّ، إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، اصبر واحتسب {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا*وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:2، 3]، قلت في نفسي: ليس هذا الكلام في الكتاب المقدس، أو من أقوال القديسين.
ما زلت في ذهولي بسبب هذا الكلام، حتى رأيته يضيف ذهولاً على ذهولي بقوله: نصيحتي لك السر والكتمان إلى أن تعلن الحق مهما طال الزمان.
تُرى ماذا يعني بهذا الكلام، وهو كبير الرهبان؟!
الصدفة وحدها كشفت لي الإجابة عندما طرقت بابه ذات يوم فلم يجبني أحد، فقمت بفتحه ودخلت، وجدته يؤدي صلاة الفجر، تسمَّرت في مكاني أمام هذا الذي أراه، ولكني إنتبهت بسرعة عندما خشيت أن يراه أحد من الرهبان، فأغلقت الباب، جاءني بعد ذلك وهو يقول وفي عينيه الدموع: تستر عليَّ، فإن غذائي القرآن، وأنيس وحدتي توحيد الرحمن، ومؤنس وحشتي عبادة الواحد القهار.
أخذتُ أفكر في الأمور تفكيرًا عميقًا، وبدأت أدرس الإسلام جيدًا حتى تكون هدايتي عن يقين تام، فكان أن هداني الله إلى دين القيم والأخلاق الحميدة، وجدت صعوبات كبيرة في إشهار إسلامي، نظرًا لأنني قس كبير ورئيس لجنة التنصير في إفريقيا، فقد حاولوا تعطيل ذلك بكل الطرق، لأنه فضيحة كبيرة لهم، خيّروني بين كل ممتلكاتي وبين ديني الجديد، فتنازلت لهم عنها كلها، فلا شيء يعدل لحظة الندم التي شعرت بها وأنا على كرسي الاعتراف.
الكاتب: محمد ناصر الطويل.
المصدر: موقع قصة الإسلام.